وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ .
قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ سَالِمٌ وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ ؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ .
( صحيح الإمام البخاري ) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في شرحه :
قَوْله : ( يُؤَخِّر صَلَاة الْمَغْرِب )
لَمْ يُعَيِّن غَايَة التَّأْخِير ، وَبَيَّنَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر بِأَنَّهُ بَعْد أَنْ يَغِيب الشَّفَق ، وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب وَمُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِع " فَأَخَّرَ الْمَغْرِب بَعْد ذَهَاب الشَّفَق حَتَّى ذَهَبَ هَوَى مِنْ اللَّيْل " وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَاد مِنْ طَرِيق أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَر عَنْ اِبْن عُمَر فِي هَذِهِ الْقِصَّة " حَتَّى كَانَ بَعْد غُرُوب الشَّفَق نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِب وَالْعِشَاء جَمْعًا بَيْنهمَا " وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق رَبِيعَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَصَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَق وَتَصَوَّبَتْ النُّجُوم نَزَلَ فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمْعًا " وَجَاءَتْ عَنْ اِبْن عُمَر رِوَايَات أُخْرَى " أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِب فِي آخِر الشَّفَق ، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاة وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَق ، فَصَلَّى الْعِشَاء " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن اِبْن يَزِيد بْن جَابِر عَنْ نَافِع ، وَلَا تَعَارُض بَيْنه وَبَيْن مَا سَبَقَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَاقِعَة أُخْرَى .
قَوْله : ( ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَث حَتَّى يُقِيم الْعِشَاء )
فِيهِ إِثْبَات لِلُبْثِ قَلِيل ، وَذَلِكَ نَحْو مَا وَقَعَ فِي الْجَمْع بِمُزْدَلِفَة مِنْ إِنَاخَة الرَّوَاحِل ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطُّرُق الَّتِي فِيهَا جَمْع بَيْنهمَا وَصَلَّاهُمَا جَمِيعًا ، وَفِيهِ حُجَّة عَلَى مَنْ حَمَلَ أَحَادِيث الْجَمْع عَلَى الْجَمْع الصُّورِيّ ، قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : ثَبَتَ فِي الْجَمْع أَحَادِيث نُصُوص لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهَا تَأْوِيل ، وَدَلِيله مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاط مِنْ الْجَمْع بِعَرَفَة وَمُزْدَلِفَة ، فَإِنَّ سَبَبه اِحْتِيَاج الْحَاجّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُود فِي كُلّ الْأَسْفَار وَلَمْ تَتَقَيَّد الرُّخَص كَالْقَصْرِ وَالْفِطْر بِالنُّسُكِ ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِف أَنَّ الْجَمْع أَرْفَق مِنْ الْقَصْر ، فَإِنَّ الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة لَا يَشُقّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ ، وَرِفْق الْجَمْع وَاضِح لِمَشَقَّةِ النُّزُول عَلَى الْمُسَافِر ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ الْجَمْع لِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْر ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده . ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) .