قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ذكر ما جاء في وجوب الإيمان بالله جل وعلا .
قال الله سبحانه وتعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) } سورة آلنساء.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى :
وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ مُتَّصِف بِصِفَاتِ الْكَمَال مُنَزَّه عَنْ صِفَات النَّقْص . ( فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ) .
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الْآيَةَ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ .
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ : جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ .
( [ صحيح الإمام البخاري ] ، صحيح الإمام مسلم ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه :
قَوْله : ( قَالَ : الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ إِلَخْ ) .
دَلَّ الْجَوَاب أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاته لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق . وَقَالَ الطِّيبِيّ : هَذَا يُوهِم التَّكْرَار ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ قَوْله أَنْ تُؤْمِن بِاَللَّهِ مُضَمَّن مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِف بِهِ ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ ، أَيْ : أَنْ تُصَدِّق مُعْتَرِفًا بِكَذَا . قُلْت : وَالتَّصْدِيق أَيْضًا يُعَدَّى بِالْبَاءِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ، بَلْ الْمُرَاد مِنْ الْمَحْدُود الْإِيمَان الشَّرْعِيّ ، وَمِنْ الْحَدّ الْإِيمَان اللُّغَوِيّ قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظ الْإِيمَان لِلِاعْتِنَاءِ/ بِشَأْنِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّة ) فِي جَوَاب ( مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم ) ، يَعْنِي أَنَّ قَوْله أَنْ تُؤْمِن يَنْحَلّ مِنْهُ الْإِيمَان فَكَأَنَّهُ قَالَ : الْإِيمَان الشَّرْعِيّ تَصْدِيق مَخْصُوص ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب : الْإِيمَان التَّصْدِيق ، وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ مُتَّصِف بِصِفَاتِ الْكَمَال مُنَزَّه عَنْ صِفَات النَّقْص .
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه :
قَوْله : ( وَبِلِقَائِهِ ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُب وَالرُّسُل ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ ، وَالْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُكَرَّرَة ، فَقِيلَ الْمُرَاد بِالْبَعْثِ الْقِيَام مِنْ الْقُبُور ، وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ مَا بَعْد ذَلِكَ ، وَقِيلَ اللِّقَاء يَحْصُل بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَار الدُّنْيَا ، وَالْبَعْث بَعْد ذَلِكَ . وَيَدُلّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت " ، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس وَابْن عَبَّاس ، وَقِيلَ الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ رُؤْيَة اللَّه ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ . وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَع لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّه ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، وَالْمَرْء لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَم لَهُ ، فَكَيْف يَكُون ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد الْإِيمَان بِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ فِي نَفْس الْأَمْر ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان . ( فتح الباري في شرح الإمام البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ) .
كتاب الإيمان من كتاب :
ثلاثة أصول وفروع الدين من وحي رب العالمين وفتوى وأمر خاتم النبيين .