قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ذكر كيف فرق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال حدثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن محمد يعني بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله r صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه (1) .
قال حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي r يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل النبي r ناصيته ثم فرق بعد (2)
قال حدثنا أبو الوليد وعبد الله بن رجاء قالا حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق النبي r وهو محرم قال عبد الله في مفرق النبي r (3) .
____________________________________________
(1) رواه أبو داود رحمه الله تعالى في كتاب الترجيل باب ما جاء في الفرق .
(3،2) رواهما البخاري رحمه الله تعالى في كتاب اللباس باب التلبيد .
قال الحافظ رحمه الله تعالى في شرحه في الفتح قولـه :
باب الفرق بفتح الفاء وسكون الراء بعدها قاف أي فرق شعر الرأس وهو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس يقال فرق شعره فرقا بالسكون وأصله من الفرق بين الشيئين والمفرق مكان انقسام الشعر من الجبين إلى دارة وسط الرأس وهو بفتح الميم وبكسرها وكذلك الراء تكسر وتفتح ذكر فيه حديثين .
الأول :
قولـه عن ابن عباس كذا وصله إبراهيم بن سعد ويونس وقد تقدم في الهجرة وغيرها واختلف على معمر في وصله وإرساله قال عبد الرزاق في مصنفه أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله لما قدم رسول الله r المدينة فذكره مرسلا وكذا أرسله مالك حيثأخرجه في الموطأ عن زياد بن سعد عن الزهري ولم يذكر من فوقه , قوله : كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه في رواية معمر وكان إذا شك في أمر لم يؤمر فيه بشيء صنع ما يصنع أهل الكتاب قوله وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم بسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلونها قوله وكان المشركون يفرقون هو بسكون الراء وقد شددها بعضهم حكاه عياض قال والتخفيف أشهر وكذا في قوله ثم فرق الأشهر فيه التخفيف وكأن السر في ذلك أن أهل الأوثان أبعد عنالإيمان من أهل الكتاب ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب قوله ثم فرق بعد في رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق وكان الفرق آخر الأمرين ومما يشبه الفرق والسدل صبغ الشعر وتركه كما تقدم ومنها صوم عاشوراء ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده ومنها استقبال القبلة ومخالفتهم في مخالطة الحائض حتى قال اصنعوا كل شيء إلا الجماع فقالوا ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض وهذا الذي استقر عليه الأمر ومنها ما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره وصرح أبو داود بأنه منسوخ وناسخه حديث أم سلمة أنه r كان يصوم يوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول أنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم وفي لفظ ما مات رسول الله rحتى كان أكثر صيامه السبت والأحد أخرجه أحمد والنسائي وأشار بقوله يوما عيد إلى أن يوم السبت عيد ثم اليهود والأحد عيد ثم النصارى وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامه ويستفاد من هذا أن الذي قالهبعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدا بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معا وفرادى امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب قال عياض سدل الشعر إرساله يقال سدل شعره وأسدله إذا أرسله ولم يضم جوانبه وكذا الثوب والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض وكشفه عن الجبين قال : والفرق سنة لأنه الذي استقر عليه الحال والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي لقول الراوي في أول الحديث إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فالظاهر أنه فرق بأمر من الله حتى ادعى بعضهم فيه النسخ ومنع السدل واتخاذ الناصية وحكى ذلك عن عمر بن عبد العزيز بالإجماع القرطبي بأن الظاهر أن الذي كان r يفعله إنما هو لأجل استئلافهم فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه وقول الراوي فيما لم يؤمر فيه بشيء أي لم يطلب منه والطلب يشمل الوجوب والندب وأما توهم النسخ في هذا فليس بشيء لا مكان الجمع بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا إلا من جهة المصلحة قال ولو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو أكثرهم والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وقد صح أنه كانت لـه r لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها فالصحيح أن الفرق مستحب لا واجب وهو قول مالك والجمهور قلت وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق واستدل برواية معمر التي أشرت إليها قبل وهو ظاهر