قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ما فعلوه مع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام
الأمر السادس :
} ما فعلوه مع أخيهم نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب ( إسرائيل ) بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم عليهم الصلاة والسلام {
قال الله تعالى :
} لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِين َ(7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10){ يوسف .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية :
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم والدلالات والمواعظ والبينات ثم ذكر حسد إخوة يوسف لـه على محبة أبيـه لـه ولأخيـه يعنون شقيقه لامه بنيامين أكثر منهم وهم عصبة أي جماعة يقولون فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين إن أبانا لفي ضـلال مبـين أي بتـقديمه حبهما علينا ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف أو إبعـاده إلى أرض لا يـرجـع منها ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم وتتوفر عليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك فلما تمالؤا على ذلك وتوافقوا عليه قال قائل منهم ، قال مجاهد هو شمعون ، وقال السدي هو يهودا .وقال قتادة و محمد بن إسحق هو أكبرهم روبيل لا تقتلوا يوسف وألقوه في غـيابـة الجـب يلتـقـطه بـعـض السـيـارة أي الـمارة من المسافرين إن كنتم فاعلين ما تقولون لا محالة فـليكن هـذا الذي أقـول لـكـم فـهـو أقـرب حـالا من قـتـلـه أو نـفيـه وتغريبه فاجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك قالوا (يا أبانا مالك لاتأمنـا على يوسف وإنا لـه لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا لـه لحـافـظون قـال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتـم عنـه غـافـلون قـالـوا لـئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون ) طلبوا منأبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم وأن يلعب وينبسط وقد أضمروا لـه ما الله به عليم فأجابهم الشيـخ عـليه مـن الله أفـضل الـصلاة والـتسليم يا بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه فيأتي الذئب فيأكله ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه قـالوا ( لئـن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون ) أي لئن عدا عليه الـذئـب فـأكلـه مـن بيننا أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة إنا إذا لخاسرون أي عاجزون هالكون وعند أهل الكتاب أنه أرسله وراءهم يتـبعهـم فـضل عن الطريق حتى أرشده رجـل إلـيهـم وهذا أيـضـا مـن غـلطهم وخـطئهـم في التعريب فإن يعقوب عليه الـسلام كـان أحـرص عـليه مـن أن يبعثـه معهم فكيف يبعثه وحده .
} فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) { يوسف .
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم فما كان إلا أن غابوا عنه عينيه فجعلوا يشتمونه ويهـينونه بالفعال والمقال وأجمعـوا على إلقائه فـي غـيابةالجـب أي في قعـره على راعوفـته وهـي الصخـرة التي تكـون في وسطـه يقـف عليها المائح وهو الـذي يـنزل لـيملي الـدلاء إذا قـل الـماء والذي يـرفـعها بالحبل يسمى الماتح فلما ألقوه فيه أوحى الله إليه أنه لابد لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها ولتخبرن أخوتك بصنيعهـم هـذا فـي حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك خائفون منك وهم لا يشعرون.
قال مجاهد وقتادة وهم لا يشعرون بإيحاء الله إلـيه ذلـك وعـن ابـن عباس وهم لا يشعرون أي لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يعرفونك فـيها رواه ابـن جرير عـنه فـلما وضعـوه فـيه ورجـعـوا عـنه أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يـبـكون أي على أخـيهم ولهذا قال بعض السلف لا يعرنك بكاء المتظلم فرب ظالم وهو باكوذكـر بـكاء إخوة يوسف وقـد جـاءوا أبـاهم عـشاء يبكـون أي في ظـلمة الليل لـيكـون أمشى لغدرهم لا لعذرهم قالوا ( يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يـوسف عـند متاعنا أي ثيابنا فأكله الذئب) أي في غيبتنا عنه في استباقنا وقولهم(وماأنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) أي وما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له ولو كنا غير متهمين عندك فكيف وأنت تتهمنا في هذا فإنك خشيت أن يأكله الذئب وضمنا لك أن لا يأكـله لكثرتنا حولهفـصرنا غـير مصدقين عندك فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالةهذه .
=