قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ذكر ما جاء في وجوب الكفر
بالطواغيت قبل الإيمان بالله جل وعلا .
قال الله سبحانه وتعالى :
{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) } سورة البقر ة .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
وقوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أي : فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.
قال أبو القاسم البغوي : حدثنا أبو روح البلدي حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق عن حسان - هو ابن فائد العبسي – قال : قال عمر رضي الله عنه : إن الجِبت : السحر والطاغوت : الشيطان ، وإن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال يقاتل الشجاع عمن لا يعرف ويفر الجبان من أمه ، وإن كرم الرجل دينه ، وحسبه خلقه ، وإن كان فارسيًّا أو نبطيا .
وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث الثوري عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد العبسي عن عمر فذكره .
ومعنى قوله في الطاغوت : إنه الشيطان قوي جدًّا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان و التحاكم إليها والاستنصار بها .
وقوله : { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا } أي : فقد استمسك من الدين بأقوى سبب ، وشبه ذلك بالعروة الوثقى التي لا تنفصم فهي في نفسها محكمة مبرمة قوية وربطها قوي شديد ولهذا قال : { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . قال مجاهد : { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } يعني : الإيمان . وقال السدي : هو الإسلام وقال سعيد بن جبير والضحاك : يعني لا إله إلا الله . وعن أنس بن مالك : { بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } : القرآن . وعن سالم بن أبي الجعد قال : هو الحب في الله والبغض في الله . وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها.
وقال معاذ بن جبل في قوله : { لا انْفِصَامَ لَهَا } أي : لا انقطاع لها دون دخول الجنة .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير: { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا } ثم قرأ : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد :11] . ( تفسير الحافظ ابن كثير) .
كتاب الإيمان من كتاب :
ثلاثة أصول وفروع الدين من وحي رب العالمين وفتوى وأمر خاتم النبيين .