قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
المسألة الثامنة : ذكر ما جاء في ظهور الفحش والتفحش ؛ وأليس الرخصة للمضطرين في نكاح المتعة
أولى من ظهور الفحش والتفحش والزنا .
قال الإمام أبو بكر عبد الله بن محمد البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى
(208 - 281هـ ) :
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمُزَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زُفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِهْرِيُّ ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الَّذِي قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله
تعالى عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ ،
وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَتَسْقُطَ الْوُعُولُ، وَتَعْلُوَ التُّحُوتُ » ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوُعُولُ
، وَمَا التُّحُوتُ ؟ قَالَ : " الْوُعُولُ : أَشْرَافُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ، وَالتُّحُوتُ: الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ " .
( [ العقوبات للإمام ابن أبي الدنيا ] ؛ المستدرك للإمام الحاكم ، صحيح الإمام ابن حبان ) .
وقَالَ الإمام أَبُو حَاتِمٍ : سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ إِذَا ذَاكَ .
وقَالَ الإمام الحاكم : « الْوُعُولُ وُجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ ، وَالتُّحُوتُ الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَا يُعْلَمُ
بِهِمْ » هَذَا حَدِيثٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ مِمَّنْ لَمْ يُنْسَبُوا إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْجَرْحِ " .
( رحمهم الله تعالى جميعا ).
وذكره الحافظ أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان
البوصيري الكناني الشافعي ( المتوفى : 840هـ ) رحمه الله تعالى وسكت عنه وقال :
قال الْحَاكِمُ : هَذَا الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ لَمْ يُنسبوا إلى نوع من الجرح .
( إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ) .
وذكره الحافظ الألباني رحمه الله تعالى وقال : صحيح لغيره .
« الحديث (3211 ) سلسة الأحاديث الصحيحة للحافظ الألباني ».
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى :
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَلْقَمَةَ حَلِيفٌ فِي بَنِي هَاشِمٍ، فَتَتَابَعْتُ إِلَيْهِ أَنَا
وَعَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ، فَكَانَ مِمَّا حَدَّثَنَا أَنْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالشُّحُّ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ
الْأَمِينُ، وَتَظْهَرَ ثِيَابٌ كَأَفْوَاجِ السَّحَرِ، يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، وَيَعْلُو التُّحُوتُ الْوُعُولَ " أَكَذَاكَ يَا
عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قُلْتُ: وَمَا
التُّحُوتُ الْوُعُولَ؟ قَالَ: فُسُولُ الرِّجَالِ ، وَأَهْلُ الْبُيُوتَاتِ الْغَامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ
الصَّالِحَةِ " فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى جَلَالَةِ مِقْدَارِ أَبِي عَلْقَمَةَ هَذَا، وَأَنَّهُ مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِينَ ، وَأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ صَالِحٌ أَبُو الْخَلِيلِ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ .
( شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي ) .
وقال الإمام الطبراني رحمه الله تعالى :
حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ أَحْمَدُ بْنُ بُشَيْرٍ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَلْقَمَةَ، حَلِيفٌ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ فِيمَا
حَدَّثَنَا أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الشُّحُّ،
وَالْفُحْشُ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ، وَيَظْهَرُ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، ويَعْلُو التُّحوتُ
الْوُعُولَ» . أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي؟ قَالَ رضي الله تعالى عنه : نَعَمْ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
قُلْنَا: وَمَا التُّحوتُ؟ قَالَ: فُسُولُ الرِّجَالِ، وَأَهْلُ الْبُيُوتِ الْغامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ. وَالْوُعُولُ: أَهْلُ
الْبُيُوتِ الصَّالِحَةِ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ إِلَّا حَجَّاجٌ .
( المعجم الأوسط للإمام الطبراني ) .
وذكره الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى وقال :
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ فِي الصَّحِيحِ بَعْضُهُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ
وَهُوَ ثِقَةٌ.
( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي ) .
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله تعالى عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ ، وَيُلْقَى الشُّحُّ،
وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ » قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ : « القَتْلُ القَتْلُ » وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَيُونُسُ،
وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( صحيح الإمام البخاري ) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه رحمه الله تعالى :
وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى زِيَادَةٌ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ
طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالْبُخْلُ وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنَ
الْخَائِنُ وَتَهْلِكَ الْوُعُولُ وَتَظْهَرَ التُّحُوتُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا التُّحُوتُ وَالْوُعُولُ قَالَ الْوُعُولُ وُجُوهُ
النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ وَالتُّحُوتُ الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَيْسَ يُعْلَمُ بِهِمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلْقَمَةَ سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَحْوَهُ وَزَادَ كَذَلِكَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ سَمِعْتُهُ مِنْ حِبِّي قَالَ نَعَمْ
قُلْنَا وَمَا التُّحُوتُ قَالَ فُسُولُ الرِّجَالِ وَأَهْلُ الْبُيُوتِ الْغَامِضَةِ قُلْنَا وَمَا الْوُعُولُ قَالَ أَهْلُ الْبُيُوتِ الصَّالِحَةِ قَالَ
بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ غَيْرَ قَوْلِهِ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَقَارُبُ
أَحْوَالِ أَهْلِهِ فِي قِلَّةِ الدِّينِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَظُهُورِ
أَهْلِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا تَفَاضَلُوا فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلَكُوا يَعْنِي لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا كَانَ
فِيهِمْ أَهْلُ فَضْلٍ وَصَلَاحٍ وَخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ يُلْجَأُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَيُسْتَشْفَى بِآرَائِهِمْ وَيُتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِمْ وَيُؤْخَذُ
بِتَقْوِيمِهِمْ وَآثَارِهِمْ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ فِي تَرْكِ طَلَبِ الْعِلْمِ خَاصَّةً وَالرِّضَا بِالْجَهْلِ.
( فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ) .