قال المؤلف عفا الله تعالى :
المسألة الثانية :
الكــفر .
ما هو الكفر وأنواعه ؟
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :
باب كفران العشير وكفر دون كفر فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي r .
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس قال قال النبي r : أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن . قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان . لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط (1) .
وقال الحافظ رحمه الله تعالى في شرحه:
قوله باب كفران العشير وكفر دون كفر قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه : مراد المصنف أن يبين أن الطاعات كما تسمى
____________________________________________
(1) رواه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان باب كفران العشير وكفر دون كفر فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي r .
إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة . ( فتح الباري ج: 1 ص: 83 ).
وقال رحمه الله تعالى : وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض الإشارة بكفرهن كما تقدم في الإيمان وهو كإطلاق نفي الإيمان . (فتح الباري ج: 1 ص: 406).
وقال رحمه الله تعالى : وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة . ( فتح الباري ج : 2 ص : 543 )
وقال رحمه الله تعالى : وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه . ( فتح الباري ج : 6 ص : 541 ).
وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى :
والكُفْر صِنْفان أحدُهما الكُفْر بأصْل الإيمان وهو ضِدُّه والآخَر الكُفْر بفَرْع من فُروع الإسلام فلا يَخْرج به عن أصْل الإيمان وقيل الكُفْر على أربَعَة أنْحاء كُفْر إنكار بألاّ يَعْرِف الله أصْلاً ولا يَعْتَرِف به وكُفْر جُحود ككُفْر إبليس يَعْرِف الله بقَلْبه ولا يُقِرّ بِلسانه وكُفْر عِنَاد وهو أن يَعْتَرِف بِقَلْبه ويَعْتَرِف بِلِسانه ولا يَدِين به حَسَداً وبغْياً ككُفر أبي جَهْل وأضْرابهُ وكُفْر نِفَاق وهو أن يُقِرَّ بِلِسَانه ولا يَعْتَقِد بقَلْبه قال الهروي سُئل الأزهري عمّن يقول بِخَلْق القُرآن أتُسَمِّيه كافرا فقال الذي يَقُوله كُفْر فأُعِيد عليه السُّؤال ثَلاثاً ويَقُول مثل ما قال ثم قال في الآخِر قد يَقُول المسْلم كُفْراً س ومنه حديث ابن عباس قيل له ومَن لم يَحكُم بما أنْزَلَ اللهُ فأولئِك هُمُ الكافِرُون قال هم كَفَرة ولَيْسوا كمن كَفَر بالله واليوم الآخر س ومنه حديثه الآخر إنّ الأوْسَ وَالخزْرَج ذَكَرُوا ما كان مِنْهم في الجاهليَّة فثار بعضُهم إلى بعض بالسُّيُوف فأنزل الله تعالى وكيفَ تكفُرونَ وأنتم تُتْلَى عليكُمْ آياتُ اللهِ وفيكُم رسولُه ولم يكن ذلك على الكُفر بالله ولكن على تَغطِيَتِهم ما كانوا عليه مِنَ الألْفَة والمَودّة ومنه حديث ابن مسعود إذا قال الرجُل للرَّجُل أنتَ لِي عَدُوّ فقد كفر أحَدُهُما بالإسلام أراد كُفر نعْمَته لأنّ الله ألَّفَ بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته أخواناً فمَن لَم يَعْرِفْها فَقد كَفَرَها ومنه الحديث مَن تَرك قَتْل الحيّات خَشيَةَ النار فقد كفَر أي كفَر النِّعمة وكذلك هـ الحديث الآخر مَنْ أتَى حائضا فقد كَفَر وحديث الأنواء إنّ الله يُنزل الغَيْث فيُصبِح قومٌ به كافرين يقولون مُطِرْنا بنَوْء كَذا وكَذا أي كافرين بذلك دُونَ غيره حيث يَنْسِبُون المَطر إلى النَّوْء دُون الله . ومنه الحديث فرأيتُ أكْثَر أهْلِها النِّساء لكُفرِهِنّ قيل أيَكفُرْن بالله قال لا ولكن يَكفُرنَ الإحسان ويَكْفُرْن العَشير أي يَجْحَدْنَ إحْسان أزْواجِهنّ والحديث الآخر سِبَابُ المُسلمِ فُسُوقٌ وقِتالُهُ كُفْر ومَنْ رَغِبَ عن أبيه فقد كَفَرَ ومَنْ تَرَكَ الرَّميَ فنعْمَةً كَفَرَها وأحاديث من هذا النوع كثيرة وأصل الكُفر تَغْطِيَةُ الشيء تغطيةً تَسْتَهْلِكُهُ س وفي حديث الرِّدّة وكَفَر مَن كَفَر من العَرب أصحابُ الردّة كانوا صِنْفَيْنِ صِنْف ارتَدّوا عن الدّين وكانوا طائِفَتَين إحْدَاهُما أصحاب مُسَيْلِمة والأسْوَد العَنْسِيّ الذين آمَنُوا بِنُبُوَّتِهما والأخْرَى طائفة ارتَدُّوا عن الإسلام وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية وهؤلاء اتَّفَقَتِ الصحابة على قِتالهم وسَبْيِهِمْ واسْتَوْلىَ عليٌّ مِن سَبْيهِمْ أمَّ محمد ابن الحَنَفِيَّة ثم لم يَنْقَرِض عصر الصَّحَابةِ حتى أجْمَعُوا على أنّ المُرْتَدّ لا يُسْبَى والصِّنْف الثاني من أهْل الرّدّة لم يرْتَدُّوا عن الإيمان ولكنْ أنْكَرُوا فَرْض الزكاة وَزَعمُوا أن الخِطَاب في قوله تعالى خُذْ من أمْوالِهم صَدَقةً خاصٌّ بزمن النبي عليه الصلاة والسلام ولذلك اشْتَبه على عُمَر قِتَالُهم لإِقْرارِهِم بالتَّوحيد والصلاة وثَبَت أبو بكر على قِتَالهم لِمَنْع الزكاة فَتَابَعه الصحابة على ذلك لأنهم كانوا قَرِيبِي العَهْد بزمانٍ يَقَع فيه التَّبْديل والنَّسْخ فلم يُقَرّوا على ذلك وهؤلاء كانوا أهل بَغْي فأضيفوا إلى أهْل الردّة حيث كانوا في زمانهم فانسَحَبَ عليهم اسْمُها فأمَّا ما بَعْد ذلك فمَن أنكَرَ فَرْضيَّة أحَد أركان الإسلام كان كافِراً بالإجْماع ومنه الحديث لا تُكَفِّر أهل قِبْلَتِك أي لا تَدْعهُم كُفَّارا أو لا تَجْعَلهم كفَّاراً بقولك وزَعمك ومنه حديث عمر ألا لا تَضربوا المسْلمين فتُذِلُّوهم ولا تمنعُوهُم حَقَّهم فتُكَفِّروهم لأنهم ربّما ارْتدّوا إذا مُنِعوا عن الحقّ .