قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ذكر ما قال أهل العلم رحمهم الله تعالى فيمن سب الله تعالى .
قال أبو محمد علي بن حزم رحمه الله تعالى :
وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفرا قال بعضهم ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام وهو أنهم يقولون الإيمان هو التصديق بالقلب فقط وإن أعلن بالكفر وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية لكن مختارا في ذلك الإسلام .
قال أبو محمد رحمه الله وهذا كفر مجرد لأنه خلاف لإجماع الأمة ولحكم الله تعالى ورسوله r و الصحابة ومن بعدهم لأنه لا يختلف أحد لا كافر ولا مؤمن في أن هذا القرآن هو الذي جاء به محمد r وذكر أنه وحي من الله تعالى وإن كان قوم كفار من الروافض ادعوا أنه نقص منه وحرف فلم يختلفوا أن جملته كما ذكرنا ولم يختلفوا في أن فيه التسمية بالكفر والحكم بالكفر قطعا على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) (72 ) المائدة وقوله تعالى : ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) (74) التوبة فصح أن الكفر يكون كلاما . وقد حكم الله تعالى بالكفر على إبليس وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين وأمره بالسجود لآدم وكرمه عليه وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون , ثم يقال لهم إذ ليس شتم الله تعالى كفرا عندكم فمن أين قلتم إنه دليل على الكفر , فإن قالوا لأنه محكوم على قائله بحكم الكفر , قيل لهم محكوم عليه بنفس قوله لا بمغيب ضميره الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط فقوله في الكفر ومن قطع على أنه في ضميره وقد أخبر الله تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم آل عمران 167 فكانوا بذلك كفارا كاليهود الذين عرفوا صحة نبوة رسول الله r كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله تعالى قطعا بيقين إذ أعلنوا كلمة الكفر .
قال أبو محمد رحمه الله فإذا قد سقط هذا القول فالواجب أن ننظر فيما احتجت به الطائفة القائلة إن من سب رسول الله r أو نبيا من الأنبياء أو ملكا من الملائكة عليهم السلام فهو بذلك القول كافر سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الإيمان بقلبه فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف
عن طآئفة منكم نعذب طآئفة بأنهم كانوا مجرمين التوبة 65 66 ) وقال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) الحجرات 2 الآية . وقوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) النساء 65 ) قال فقضى الله U وقسم وحكم أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله r فيما شجر ثم لا يجد في نفسه حرجا من شيء مما قضى به ويسلم تسليما , قالوا وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أن من سب الله تعالى أو النبي r أو ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء على جميعهم السلام أو شيئا من الشريعة أو استخف بشيء من ذلك كله فلم يحكم النبي r لما أتى به من تعظيم الله تعالى وإكرام الملائكة والنبيين وتعظيم الشريعة التي هي شعائر الله تعالى فصح أنه لم يؤمن فقد كفر إذ ليس إلا مؤمن أو كافر قالوا وقد نص الله تعالى بإحباط عمل من رفع صوته فوق صوت النبي r وإحباط العمل لا يكون إلا بالكفر فقط .ورفع الصوت عند النبي r يدخل فيه الاستخفاف به عليه السلام والسب له والمعارضة من حاضر وغائب , قالوا وكان قوله تعالى في المستهزئين بالله وبآياته ورسوله أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم فارتفع الإشكال وصح يقينا أن كل من استهزأ بشيء من آيات الله وبرسول من رسله فإنه كافر بذلك مرتد , وقد علمنا أن الملائكة كلهم رسل الله تعالى قال الله تعالى : (جاعل الملائكة رسلا) فاطر 1 وكذلك علمنا بضرورة المشاهدة أن كل ساب وشاتم فمستخف بالمشتوم مستهزيء به فالاستخفاف والاستهزاء شيء واحد .
قال أبو محمد رحمه الله تعالى : ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس باستخفافه بآدم عليه السلام كافرا لأنه إذ قال أنا خير منه فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره وسماه كافرا بقوله وكان من الكافرين , وحدثنا البغوي نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أبو محمد حبيب البخاري هو صاحب أبي ثور ثقة مشهور نا محمد بن سهل سمعت علي بن المديني يقول دخلت على أمير المؤمنين قال لي أتعرف حديثا مسندا فيمن سب النبي r فيقتل قلت نعم فذكرت له حديث عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد عن رجل من بلقين قال كان رجل يشتم النبي r فقال النبي r من يكفيني عدوا لي فقال خالد بن الوليد أنا فبعثه النبي r فقتله فقال له أمير المؤمنين : ليس هذا مسندا هو عن رجل , فقلت : يا أمير المؤمنين بهذا يعرف هذا الرجل وهو اسمه وقد أتى النبي r فبايعه وهو مشهور معروف قال فأمر لي بألف دينار .
قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث مسند صحيح وقد رواه علي بن المديني عن عبد الرزاق كما ذكره وهذا رجل من الصحابة معروف اسمه الذي سماه به أهله رجل من بلقين فصح بهذا كفر من سب النبي r وأنه عدو لله تعالى وهو عليه السلام لا يعادي مسلما قال تعالى المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض التوبة 71 فصح بما ذكرنا أن كل من سب الله تعالى أو استهزأ به أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى فهو بذلك كافر مرتد له حكم المرتد وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق . ( المحلى ).
كتاب :
( ترهيب المؤمنين الموحدين من اتباع الخوارج الليبراليين الانحلاليين والانسلاخ من دين رب العالمين )