وبيت الرجل الأمر إذا دبره ليلا قال الله تعالى : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول والعرب تقول : أمر بيت بليل إذا أحكم وإنما خص الليل بذلك لأنه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر :
أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
ومن هذا بيت الصيام والبيوت : الماء يبيت ليلا والبيوت : الأمر يبيت عليه صاحبه مهتما به قال الهذلي :
وأجعل فقرتها عدة إذا خفت بيوت أمر عضال
والتبيت والبيات أن يأتي العدو ليلا وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا كما يقال : ظل بالنهار وبيت الشئ قدر فإن قيل : فما وجه الحكمة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال : بيت طائفة منهم قيل : إنما عبر عن حال من علم أنه بقي على كفره ونفاقه وصفح عمن علم أنه سيرجع عن ذلك وقيل : إنما عبر عن حال من شهد وحار في أمره وأما من سمع وسكت فلم يذكره والله أعلم ( والله يكتب ما يبيتون ) أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه وقال الزجاج : المعنى ينزله عليك في الكتاب وفي هذه الآية دليل على أن مجرد القول لا يفيد شيئا كما ذكرنا فإنهم قالوا : طاعة ولفظوا بها ولم يحقق الله طاعتهم ولا حكم لهم بصحتها لأنهم لم يعتقدوها فثبت أنه لا يكون المطيع مطيعا إلا باعتقادها مع وجودها .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
وقوله ( ويقولون طاعة ) يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهارون الموافقة والطاعة ( فإذا برزوا من عندك ) أي خرجوا وتواروا عنك ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) أي استسروا ليلا فيما بينهم بغير ما أظهروه لك فقال ( والله يكتب ما يبيتون ) أي يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين هم موكلون بالعباد والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول r وعصيانه وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة وسيجزيهم على ذلك كما قال تعالى ( ويقولون آمنا بالله والرسول وأطعنا ) الآية وقوله ( فأعرض عنهم ) أي اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم ولا تكشف أمورهم للناس ولا تخف منهم أيضا ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) أي كفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه .
كتاب :
تذكير المؤمنين وترهيب الإخوان بأوامر الله ونبي الإنس والجان