قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
المسألة الثامنة والعشرون :
ترهيب المسلمين من التسويف
كأهل الكتاب السابقين .
قال الله سبحانه وتعالى :
)أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16) ( ( الحديد ).
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :
“ألم يأن"أي يقرب و يحين, قال الشاعر:
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا
وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أنى بالقصر يأنى. ويقال: آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يئين أينا أي حان, مثل أنى لك وهو مقلوب منه. وأنشد ابن السكيت:
ألما يئن لي تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين. وقرأ الحسن "ألما يأن" وأصلها "ألم" زيدت "ما" فهي نفي لقول القائل: قد كان كذا, و"لم" نفي لقوله: كان كذا. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود t قال : ما كنا بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" إلا أربع سنين. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة, تقول عاتبته معاتبة "أن تخشع" أي تذل وتلين "قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي r لما ترفهوا بالمدينة, فنزلت الآية, ولما نزلت هذه الآية قال r: (إن الله يستبطئكم بالخشوع) فقالوا عند ذلك: خشعنا. وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين, فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت: "الر تلك آيات الكتاب المبين" [يوسف: 1] إلى قول: "نحن نقص عليك أحسن القصص" [يوسف: 3] الآية, فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم, فكفوا عن سلمان, ثم سألوه مثل الأول فنزلت: "الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" فعلى هذا التأويليكون الذين آمنوا في العلانية باللسان. قال السدي وغيره: "ألم يأن للذين آمنوا" بالظاهر وأسروا الكفر "أن تخشع قلوبهم لذكر الله". وقيل: نزلت في المؤمنين. قال سعد: قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل: "نحن نقص عليك" فقالوا بعد زمان: لو حدثتنا فنزل: "الله نزل أحسن الحديث" [الزمر: 23] فقالوا بعد مدة: لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى: "ألم يأن للذين آمنو أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" ونحوه عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين, فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول: ما أحدثنا؟ قال الحسن: أستبطأهم وهم أحب خلقه إليه. وقيل: هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا: "والذين آمنوا بالله ورسله" [الحديد: 19] أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن, وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ,إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم.
كتاب :
تذكير المؤمنين وترهيب الإخوان بأوامر الله ونبي الإنس والجان