قال المؤلف عفا الله تعالى :
المسألة الرابعة : ذكر ما جاء في كثرة النساء وقلة الرجال ، فأين يذهبن وما يفعلن ؟ وألا يخشى من
فتنهن للرجال وإفسادهن للبلاد والعباد .
قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى :
ذكر الإخبار عن كثرة ما يتبع الرجال من النساء في آخر الزمان .
أخبرنا أبو يعلى ، قال : حدثنا محمد بن العلاء بن كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا بريد ،
عن أبي بردة ، عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلـم ، قال : « ليأتين
زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب ، ثم لا يجد أحدا يأخذها منه ، ويرى الرجل تتبعه أربعون امرأة
من قلة الرجال ، وكثرة النساء » .
( [ صحيح الإمام ابن حبان ] ، صحيح الإمام البخاري ، صحيح الإمام مسلم ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه :
وَفِي الْحَدِيث الْإِخْبَار بِمَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ .
( فتح الباري شرح البخاري لابن حجر العسقلاني ) .
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ
حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ
وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ .
وقَالَ أَبُو عِيسَى في روايته : وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
( [ صحيح الإمام البخاري ] ، صحيح الإمام مسلم ، سنن الإمام الترمذي ) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى :
قَوْله : ( وَتَكْثُر النِّسَاء ) قِيلَ سَبَبه أَنَّ الْفِتَن تَكْثُر فَيَكْثُر الْقَتْل فِي الرِّجَال لِأَنَّهُمْ أَهْل الْحَرْب دُون النِّسَاء .
وَقَالَ أَبُو عَبْد الْمَلِك : هُوَ إِشَارَة إِلَى كَثْرَة الْفُتُوح فَتَكْثُر السَّبَايَا فَيَتَّخِذ الرَّجُل الْوَاحِد عِدَّة مَوْطُوآت . قُلْت
: وَفِيهِ نَظَر ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقِلَّةِ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى الْآتِي فِي الزَّكَاة عِنْد الْمُصَنِّف فَقَالَ : " مِنْ قِلَّة
الرِّجَال وَكَثْرَة النِّسَاء " وَالظَّاهِر أَنَّهَا عَلَامَة مَحْضَة لَا لِسَبَبٍ آخَر ، بَلْ يُقَدِّر اللَّه فِي آخِر الزَّمَان أَنْ يَقِلّ
مَنْ يُولَد مِنْ الذُّكُور وَيَكْثُر مَنْ يُولَد مِنْ الْإِنَاث ، وَكَوْن كَثْرَة النِّسَاء مِنْ الْعَلَامَات مُنَاسِبَة لِظُهُورِ الْجَهْل
وَرَفْع الْعِلْم . وَقَوْله : " لِخَمْسِينَ " يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ حَقِيقَة هَذَا الْعَدَد ، أَوْ يَكُون مَجَازًا عَنْ الْكَثْرَة .
وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى : " وَتَرَى الرَّجُل الْوَاحِد يَتْبَعهُ أَرْبَعُونَ اِمْرَأَة " .
قَوْله : ( الْقَيِّم ) أَيْ : مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِنَّ ، وَاللَّام لِلْعَهْدِ إِشْعَارًا بِمَا هُوَ مَعْهُود مِنْ كَوْن الرِّجَال قَوَّامِينَ
عَلَى النِّسَاء . وَكَأَنَّ هَذِهِ الْأُمُور الْخَمْسَة خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا مُشْعِرَة بِاخْتِلَالِ الْأُمُور الَّتِي يَحْصُل بِحِفْظِهَا
صَلَاح الْمَعَاش وَالْمَعَاد ، وَهِيَ الدِّين لِأَنَّ رَفْع الْعِلْم يُخِلّ بِهِ ، وَالْعَقْل لِأَنَّ شُرْب الْخَمْر يُخِلّ بِهِ ، وَالنَّسَب
لِأَنَّ الزِّنَا يُخِلّ بِهِ ، وَالنَّفْس وَالْمَال لِأَنَّ كَثْرَة الْفِتَن تُخِلّ بِهِمَا . قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَإِنَّمَا كَانَ اِخْتِلَال هَذِهِ
الْأُمُور مُؤْذِنًا بِخَرَابِ الْعَالَم لِأَنَّ الْخَلْق لَا يُتْرَكُونَ هَمَلًا ، وَلَا نَبِيّ بَعْد نَبِيّنَا صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلَامه
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، فَيَتَعَيَّن ذَلِكَ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة ، إِذْ
أَخْبَرَ عَنْ أُمُور سَتَقَعُ فَوَقَعَتْ ، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمَان . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة : يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد
بِالْقَيِّمِ مَنْ يَقُوم عَلَيْهِنَّ سَوَاء كُنَّ مَوْطُوآت أَمْ لَا . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ يَقَع فِي الزَّمَان الَّذِي لَا يَبْقَى فِيهِ
مَنْ يَقُول اللَّه اللَّه فَيَتَزَوَّج الْوَاحِد بِغَيْرِ عَدَد جَهْلًا بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيّ . قُلْت : وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ بَعْض أُمَرَاء
التُّرْكُمَان وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل هَذَا الزَّمَان مَعَ دَعْوَاهُ الْإِسْلَام . وَاَللَّه الْمُسْتَعَان .
( فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ) .