قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
الفصل الرابع النصيحة :
باب قضاء أهل العلم الأعلام فيمن نكح نكاحا حرم في الإسلام
قال أبو عمر القرطبي رحمه الله تعالى :
لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه , والفرقة تقع عند انقضاء الأجل طلاق , وقال ابن عطية : وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى وعلى أن لا ميراث بينهما ويعطيها عليه , فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل , ويستبرئ رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك , فإن لم تحمل حلت لغيره , وفي كتاب النحاس في هذا خطأ وأن الولد لا يلحق في نكاح المتعة .
قلت : هذا هو المفهوم من عبارة النحاس , فإنه قال : وإنما المتعة أن يقول لها أتزوجك يوما أو ما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك , وهذا هو الزنى بعينه ولم يبح قط في الإسلام , ولذلك قال عمر : لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة .
وقد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ولا يلحق به الولد أو يدفع الحد للشبهة ويلحق به الولد على قولين ولكن يعذر ويعاقب , وإذا لحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح , ويفارقه في الأجل والميراث , وحكى المهدوي عن ابن عباس أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود , وفيما حكاه ضعف لما ذكرنا . قال ابن العربي : وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه . ( تفسير القرطبي ).
( انتهى ما قاله ونقله أهل العلم رحمهم الله تعالى جميعا )
وقال أبو محمد علي بن حزم رحمه الله تعالى :
والقول في ذلك كله واحد , وهو أن كل عقد فاسد لا يحل , فالفرج به لا يحل ولا يصح به زواج فهما أجنبيان كما كانا , والوطء فيه من العالم بالتحريم زنى مجرد محض , وفيه الحد كاملا من الرجم أو الجلد أو التعزير , ولا يلحق فيه ولد أصلا , ولا مهر فيه , ولا شيء من أحكام الزوجية , وإن كان جاهلا فلا حد , ولا يقع في ذلك شيء من أحكام الزوجية إلا لحاق الولد فقط للإجماع , وبالله تعالى التوفيق , وأما من طلق ثلاثا ثم وطىء , فإن كان عالما أن ذلك لا يحل فعليه حد الزنى كاملا , وعليها كذلك لأنها أجنبية , فإن كان جاهلا فلا شيء عليه ولا يلحق الولد ههنا أصلا , لأنه وطىء فيما لا عقد له معها لا صحيحا ولا فاسدا وبالله تعالى التوفيق .
وقال أبو محمد علي بن حزم رحمه الله تعالى :
القول في هذا كله واحد كل نكاح لم يبحه الله تعالى فلا يجوز عقده فإن وقع فسخ أبدا , لأنه ليس نكاحا صحيحا جائز , فإن وقع فيه الوطء , فالعالم بتحريمه زان عليه الحد حد الزنى كاملا فهو أو هي أو كلاهما , ومن كان جاهلا فلا شيء عليه , والولد فيه لا حق للإجماع , ومن قذف الجاهل حد لأنه ليس زانيا , ولو كان زانيا لحد حد الزنى , ولا يحل للمرأة عبدها , فإن قلنا إن كانت عالمة أن هذا لا يحل فهي زانية , وترجم ويجلدها إن كانت محصنة , أو تجلد وتنفى إن كانت غير محصنة والعبد كذلك ولا يلحق الولد , فإن كانت جاهلة فلا شيء عليها , ويلحق الولد بها , أما التفريق فلا بد منه , وأما التحريم على الرجال فلا يحرم بذلك , لأن الله تعالى لم يوجب ذلك , ولا رسوله e , فإن أعتقته بشرط أن يتزوجها , فالعتق باطل مردود , لأنه علق بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل , وإذا بطل الشرط بطل كل عقد لم يعقد إلا بذلك الشرط , ولا يجوز إنفاذ العقد , لأن العاقد له لم يعقده قط منفردا من الشرط , فلا يحل أن يمضي عليه عقد لم يعقده على نفسه قط , لأنه لم يوجب عليه ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع , فإن أعتقته بغير شرط ثم تزوجها زواجا صحيحا فهو جائز .
وقال أبو محمد علي بن حزم رحمه الله تعالى :
فإن قالوا من أين أوجبتم الحد وعمر بن الخطاب لم يحد في ذلك قط , ولا يعرف له من الصحابة e مخالف , قلنا إن عمر t قد هم برجمها , فلولا أن الرجم عليها كان واجبا ما هم , وإنما ترك رجمها إذ عرف جهلها بلا شك , ونحن أيضا لا نرى حجة في قول أحد دون رسول الله e , ولكن إذ يحتجون بقول عمر t , فيلزمكم أن تحرموها على الرجال في الأبد , كما جاء عن عمر وبالله تعالى التوفيق .