قال المؤلف عفا الله تعالى عنه :
ذكر ما جاء في جزاء من أسلم ثم ارتد عن الإسلام ؛ ومتى ؟
قال الله سبحانه وتعالى :
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) }.
سورة البقرة .
قال الحافظ الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) } .
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه:" ومن يرتدد منكم عن دينه"، من يرجع منكم عن دينه، كما قال جل ثناؤه
فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) [ سورة الكهف: 64 ] يعني بقوله:" فارتدَّا" ، رجعا. ومن ذلك قيل:" استردّ فلان حقه من فلان"، إذا استرجعه منه.
وإنما أظهر التضعيف في قوله :" يرتدد" لأن لام الفعل ساكنة بالجزم ، وإذا سكِّنت فالقياس ترك التضعيف ، وقد تضعَّف وتدغم وهي ساكنة ، بناء على التثنية والجمع .
وقوله : " فيمت وهو كافر" ، يقول : من يرجع عن دينه دين الإسلام ،" فيمت وهو كافر" ، فيمت قبل أن يتوب من كفره ، فهم الذين حبَطت أعمالهم .
يعني بقوله :" حبطت أعمالهم"، بطلت وذهبت . وبُطولها : ذهابُ ثوابها ، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة .
وقوله : " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، يعني: الذين ارتدُّوا عن دينهم فماتوا على كفرهم، هم أهل النار المخلَّدون فيها. وإنما جعلهم" أهلها" لأنهم لا يخرجون منها، فهم سكانها المقيمون فيها ، كما يقال : " هؤلاء أهل محلة كذا" ، يعني : سكانها المقيمون فيها . ويعني بقوله:" هم فيها خالدون" ، هم فيها لابثون لَبْثًا ، من غير أمَدٍ ولا نهاية .
( تفسير الإمام الطبري ) .
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطأ :
بَاب الْقَضَاءِ فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ .
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ (1).
( [ موطأ الإمام مالك ] , السنن الكبرى للبيهقي , مسند الإمام الشافعي ، معرفة السنن والآثار للبيهقي ) .
وقال البيهقي رحمه الله تعالى في معرفة السنن والآثار للبيهقي :
أنبأني أبو عبد الله إجازة ، عن أبي العباس ، أخبرنا الربيع ، قال : قال الشافعي : حديث يحيى بن سعيد ثابت ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعده : حديث زيد لأنه منقطع ، ولا الحديث قبله وذكره في القديم ، قال : زيد مرسل لا تقوم بمثله حجة ، وعكرمة يتقى حديثه ولا تقوم به حجة ، قال أحمد : حديث يحيى بن سعيد موصول صحيح ، وقد ثبت معناه من حديث عبد الله بن مسعود وعائشة عن النبي صلى الله عليـه وسلم .
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ) فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ فَقَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ عُمَرُ أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي . ( [ موطأ الإمام مالك ] ، صحيح الإمام البخاري , سنن الإمام أبي داود ) .
------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في شرحه :
وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ فَإِنَّ أُولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الْإِسْلَامَ فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ( موطأ الإمام مالك ) .
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في روايته في سننه :
فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ ( رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ ) قَالَ : لَا أَنْزِلُ عَنْ دَابَّتِي حَتَّى يُقْتَلَ فَقُتِلَ قَالَ أَحَدُهُمَا وَكَانَ قَدْ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذَلِكَ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَأُتِيَ أَبُو مُوسَى بِرَجُلٍ قَدْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَاهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَجَاءَ مُعَاذٌ فَدَعَاهُ فَأَبَى فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِتَابَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاسْتِتَابَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى ضُرِبَ عُنُقُهُ وَمَا اسْتَتَابَهُ . ( انتهى ما قاله أبو داود ونقله عن أهل العلم رحمهم الله تعالى جميعا ) .
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ ( رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما ) فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ .
( [صحيح الإمام البخاري ] ، مسند الإمام الشافعي ، المعجم الكبير للطبراني ) .
قال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى :
كتاب المرتد ، باب المرتد .
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى : « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله . » ، وقال في المرتد عن الإسلام : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وذكر غيرها . ( معرفة السنن والآثار للبيهقي ) .
ثم ذكر ما : أخبرنا أبو بكر ، وأبو زكريا ، وأبو سعيد ، قالوا : حدثنا أبو العباس ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا الثقة ، عن حماد ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن عثمان بن عفان ( رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ ) ، أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قال : « لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس » . ( معرفة السنن والآثار للبيهقي ) .
قال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في المصنف :
أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الاسلام من أهل العراق ، فكتب فيهم إلى عمر ( رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما ) ، فكتب إليه : أن اعرض عليهم دين الحق ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن قبلوها فخل عنهم ، وإن لم يقبلوها فاقتلهم ، فقبلها بعضهم فتركه ، ولم يقبلها بعضهم فقتله.
وقال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن أبي عمرو الشيباني قال : أتي علي ( رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ ) بشيخ كان نصرانيا فأسلم ، ثم ارتد عن الإسلام ، فقال له علي : لعلك إنما ارتددت لان تصيب ميراثا ، ثم ترجع إلى الاسلام ؟ قال : لا ، قال : فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها ، فأردت أن تزوجها ثم تعود إلى الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى الاسلام ! قال : لا ، أما حتى القى المسيح فلا ، قال : فأمر به ، فضربت عنقه ، ودفع ميراثه إلى ولده المسلمين. ( مصنف عبد الرزاق ) .
كتاب : الأصل الثاني الإسلام .
من كتاب ثلاثة أصول وفروع الدين من وحي رب العالمين وفتوى وأمر خاتم النبيين صلى الله عليه وسلـم .